حسين إبراهيم
الثلاثاء 1 تموز 2025
رغم أن الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، لم يعلّق بعد على التقارير التي تتحدّث عن قرب تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، والتنازل للأخيرة عن الجولان المحتل، إلّا أن ثمة هجمة أميركية، ديبلوماسية خشنة هذه المرة، لا يبدو أنها ستنتهي إلا عند هذه النقطة. فلدى سؤاله عن التطبيع، ردّ الرئيس دونالد ترامب بالقول: «لا أعرف، ولكنني رفعت عنهم العقوبات» في ترميز لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً، ولا سيما أن ترامب أضاف: «أحياناً تحتاج إلى العسل وليس إلى الخلّ».
وعلى المقلب الإسرائيلي، تطغى أجواء «إحلال السلام» مع سوريا، فيما تربط الصحافة العبرية بين محاكمة رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، السرّية، وبين التطبيع الذي قد يحتاج إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وهو ما يرفض نتنياهو فعله طالما أن سيف القضاء مسلّط على رقبته، ويطالب على ضوء ذلك بالعفو عنه مقابل الإيفاء بمقتضيات هذا المسار.
وإذ تفيد تقارير بأن ترامب يضغط في الاتجاه نفسه، ويهدّد بوقف نقل السلاح إلى إسرائيل إذا لم يحصل العفو، كونه يريد وقفاً للنار في غزة يتيح إرساء ترتيبات إقليمية جديدة، يسجَّل نشاط غير عادي للموفد الخاص لترامب إلى سوريا، توماس براك، وهو صديق قديم للرئيس الأميركي من بين مقاولي العقارات، وسفير في تركيا جيء به خصيصاً لإنجاز صفقة «سلام» بين سوريا وإسرائيل، وإن أمكن بين لبنان وإسرائيل أيضاً، وإنما من زاوية إقليمية أوسع تشمل تركيا، والسعودية، والاستثمار في الحرب الإسرائيلية – الأميركية الأخيرة على إيران.
هكذا، يتصرّف الأميركيون على أن سوريا الجائعة سقطت في يدهم، وأن كلّ ما يحتاجه الأمر هو التلويح لها باللقمة أو «العسل». أما الباقي الذي تحتاج تفاصيله إلى إنضاج، فيتعلّق بتوزيع التركة بين الحلفاء الذين ساعدوا في إيصال هذا البلد إلى أن يكون هو نفسه لقمة للأميركيين، ولا سيما تركيا والسعودية.
وإذا كان التطبيع يُرجّح الكفة للرياض، فإن أنقرة ستحصل من جرائه على رأس «قسد»، التي كان براك شديد الوضوح عندما تحدّث عنها باعتبارها عقاراً استحق بيعه، قائلاً إنها «إرهابية وحليفة للإرهابيين في حزب العمال الكردستاني»، رغم أنها شريكة قتال للأميركيين في الحرب ضد «داعش»، وما يزال الجنود الأميركيون لا يأمنون على أنفسهم إلا في القواعد المقامة في مناطقها.
وذلك يطرح سؤالاً عما إذا كان ما قاله براك عن إنه ليس أمام «قسد» سوى الاندماج في الدولة السورية، وإن الشرع هو المحاور الوحيد لأميركا في سوريا، يعكس جدياً الموقف الأميركي، أم أن الأمر يتعلّق بخدعة لتركيا، لكي تسلّم بالتطبيع الذي يفتح الأراضي السورية كلها، وليس فقط جنوبها، لتصبح مساحة للنفوذ الإسرائيلي.
ما يبقى هو كلمة سوريا التي لم تقلها، لا سلطة ولا شعباً
ما يبقى هو كلمة سوريا التي لم تقلها، لا سلطة ولا شعباً. فالأمر يتعلّق بانتقال كبير لم يسبق لدولة عربية أن فعلته، حتى من تلك الأشدّ حماسة للتطبيع مع العدو. والسؤال هنا يتجاوز رغبة الشرع والمحيطين به ومِن خلفهم أنقرة، إلى قدرتهم على تحمّل خيار كهذا شعبياً، في سوريا وتركيا معاً، وإلى أي مدى يستطيع النظامان الاستمرار في استغلال إرث نظام الأسد، لتبرير التطبيع بثمن الجولان والنفوذ الإسرائيلي في سوريا.
وبعيداً من مدى لا أخلاقية مثل هذا الخيار بالنسبة إلى الشرع والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، فإنه خيار خطير، وربما يكون قاتلاً سياسياً للرجلين معاً. والمؤشرات على ذلك سبق أن ظهرت بوضوح حين عاقب الناخبون الأتراك إردوغان على موقفه المساوم في غزة في الانتخابات البلدية العام الماضي، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بمسألة يمكن أن تمسّ الداخل التركي نفسه؟ كما ثمّة سؤال آخر يحضر هنا يخصّ القومية التركية؛ إذ هل يقبل الأتراك استبدال اعتراض كردي يتلاشى، باستباحة إسرائيلية كاملة للبلاد من جهة حدودها مع سوريا، وهل يعالج ذلك أصلاً المسألة الكردية؟
أما بالنسبة إلى الشرع، فرغم أن كل الخيارات أمامه صعبة، إلا أن أكثرها صعوبة هو التطبيع بالثمن الكبير المطلوب إسرائيلياً. ومع ذلك، فإن السلوك الذي يعتمده الرجل منذ وصوله إلى السلطة، ورهانه شبه الوحيد على الأميركيين، هو الذي أوصله إلى هذا الموقف الصعب، بحيث صارت كل الخيارات يمكن أن تؤدي إلى سقوطه، ومنها الخيار الأميركي الذي قد يستخدم شرعية اللحى الطويلة للتوقيع على صكّ التنازل، ثم يسمح بسقوطها والإتيان بنظام آخر، ربّما بلا لحى. لكن تحرّك باراك السريع وكلام ترامب نفسه، يوحيان بأن الأمر ربما لا يكون محسوماً بعد، ولا سيما في ضوء تقارير عن أن الشرع تلقّى نصائح تركية وقطرية بفتح قنوات اتصال مع «حزب الله» وإيران، وهو خيار معاكس لمسار التطبيع.